كتبت فيبي جينوود أنها انتقلت إلى القدس عام 2010، حيث نصحها مراسلون أجانب بأن العام الأول سيجعلها تكره الحكومة الإسرائيلية، والثاني سيجعلها تكره القيادة الفلسطينية، وبحلول الثالث ستكره نفسها، والأفضل أن تغادر قبل السنة الرابعة.

اعتبرت النصيحة متشائمة وتعهدت بأن تبقى أفضل منهم، لكنها قضت أقل من أربع سنوات في إسرائيل وفلسطين. خلال هذه الفترة، غطت التهجير القسري، والقيود البيروقراطية، والعقاب الجماعي في غزة، وشرحت ضم الضفة الغربية من دون استخدام عبارات مثل "فصل عنصري" أو "جريمة حرب"، مع إتاحة مساحات لأصوات متعددة. ومع ذلك، واجهت اتهامات شخصية بالتحيز ولا مبالاة، حتى أدركت بعد عامين أن الناس لا يريدون سماع ما يحدث، فتسلل الإحباط وحلّ محل الحماس، وخفت الغضب، مما أفسح المجال لاستمرار التطهير العرقي والإبادة الجماعية.

تقول الكاتبة في الجارديان، إنه بعد أكثر من عقد، ومع مشاهد الإبادة في غزة على مواقع التواصل، كانت تكتب روايتها الأولى "النسر"، عن صحفية تسعى لإثبات نفسها وسط حرب في غزة، شخصية غارقة في السخرية وكراهية الذات، عكست صراعات الكاتبة وأسئلتها: لماذا فشل الصحفيون الذين غطوا الفظائع في فلسطين في وقفها؟ تدور أحداث الرواية زمن حرب 2012 في غزة، حين شهدت اغتيال أحمد الجعبري، ووصلت إلى موقع الحادث بعد أقل من ساعة، ورأت بقايا السيارة المحترقة وآثار الدماء على جدران المباني المحيطة، بينما أطلقت إسرائيل "عملية عمود السحاب".

توضح أن الحروب لم تفاجئ غزة منذ حصارها في 2006، حيث تكرر تبادل الصواريخ والغارات، وتتخلله عمليات عسكرية لإضعاف بنية حماس. في حرب 2009، قُتل 1400 فلسطيني ودُمرت آلاف المنازل، ولم يُسمح للصحفيين الأجانب بالدخول، لكن في 2012 سُمح لهم، فأقاموا في فندق "الديرة" بجوار أهله الذين كانوا يعيشون تحت القصف. كانت تزور يوميًا البيوت المدمرة، وتوثق مشاهد الأطفال يلعبون وسط الركام، والنساء يصرخن فوق الأثاث المدفون، والمستشفيات تستقبل جرحى مبتوري الأطراف، وأطباء يفتقرون للمعدات والتخدير. حضرت جنازات عائلات كاملة، حيث أكد الأهالي خلو المنطقة من المقاتلين.

بعد عشرة أيام، قُتل 167 فلسطينيًا ونُزحت مئات العائلات، وأُعلن وقف إطلاق النار. تصف الكاتبة شعور الانفصال حين يغادر الصحفيون غزة بينما يبقى زملاؤهم الفلسطينيون محاصرين. وعندما اندلعت حرب 2014، كانت في لندن محررة في قسم الشؤون الخارجية، وسمعت أن الجمهور بدأ يعزف عن المتابعة. انتهى القتال وعادت إلى الميدان، لكنها لاحظت برود الاهتمام بقضية فلسطين خارج دوائر الناشطين.

تقر بأنها توقفت عن الحديث عما تعرفه من إذلال يومي في الضفة، وخطر الإرهاب الاستيطاني المدعوم عسكريًا، والصدمات الهائلة في غزة، حتى بدأت كتابة روايتها عام 2015، لتستعيد غزة التي عرفتها وترويها عبر قصص بشرية صغيرة.

تنتقد الكاتبة منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة في الحرب الأخيرة، مؤكدة أن العالم يعرف ما يجري من خلال الصحفيين الفلسطينيين الذين يُقتلون بأعداد كبيرة، ويواصلون العمل وسط الجوع والدمار. تستشهد بكلمات الصحفي حسام شباط الذي دعا إلى تعزيز أصوات الفلسطينيين، واعتبرت رسالته مؤلمة لأنها أوضحت شعورها بدور الوسيط غير الضروري بين الغرب وغزة.

وترى فيبي أن الصحفيين الغربيين برروا عدم وقف الفظائع بحجة أن دورهم هو الشهادة، لا المحاسبة، لكن السؤال يبقى: لو أدانوا القوة المدعومة أمريكيًا وأوروبيًا بكل وضوح، هل كان يمكن إنقاذ عشرات الآلاف؟ ومع صدور روايتها، تؤكد تقارير الأمم المتحدة بدء المجاعة في غزة، حيث يُقتل المدنيون أثناء محاولة الحصول على الغذاء، وتُقصف المستشفيات ويُقتل الأطباء وعائلاتهم، وتُقطع الكهرباء، بينما يمتنع كثير من وسائل الإعلام الغربية عن استخدام كلمة "إبادة جماعية".

وتشير إلى أن الكلمات المحظورة بدأت تُستخدم الآن، لكن الغضب جاء متأخرًا، وصمت الصحفيين ساهم في الكارثة، فيما سمح التبلد بوقوع مأساة جيل كامل.

https://www.theguardian.com/world/ng-interactive/2025/aug/10/gaza-israel-palestine-outrage